مستقبل فلسطين المجهول: كيف تخطف الحرب قدرة الفلسطينيين على بناء القطاع التكنولوجي

قبل اندلاع العدوان الحالي على غزة، كان قطاع التكنولوجيا مزدهرا بالشركات الناشئة والعمل الحر رغما عن الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة، أما حاليا ومع تصاعد العدوان تدمرت البنية التحتية وانعدمت فرص النمو وسادت أزمة تضر في الصحة النفسية والعقلية للسكان، يتطلب التعافي منها أولا الوقف الفوري لإطلاق النار وثم تكثيف الجهود لإعادة بناء الأسس الخدماتية وتوفير الدعم المالي والتعاون الدولي لإعادة إحياء القطاع التكنولوجي.
قبل اندلاع الحرب الحالية على غزة، كان قطاع التكنولوجيا في فلسطين يشهد تطورا سريعا، وخاصة في غزة حيث كانت منارة للإبداع والابتكار، إذ تفوقت الشركات الناشئة في مجالات البرمجة. التصميم والتسويق الرقمي، وحقق رواد الأعمال فرص عمل عالميا وقدموا مختلف الخدمات لعملائهم الدوليين باستخدام المنصات الرقمية.
يصرح محمد قدادة، أحد رواد الأعمال ومؤسس شركة Planet للحلول الرقمية من غزة مشيرا إلى أهمية دور قطاع التكنولوجيا والعمل عن بعد في غزة قائلا: “كان قطاع التكنولوجيا في غزة في مرحلة تطور سريع، يخلق فرص عمل ويتنافس على مستوى العالم برغم العديد من العقبات”.
تسارع التطور الرقمي والتحول إلى العمل عن بعد، متأثرا بجائحة كوفيد-١٩، بهدف تقوية العمل الحر للفلسطينيين. هذه الفترة من التسارع تعزى إلى دعم من المؤسسات غير الحكومية وحاضنات الأعمال التكنولوجية واستثمارهما في تطوير المهارات الفردية والموارد التي تسمح بنجاح عمل المهنيين في هذا المجال، وأصبح قطاع التكنولوجيا بالرغم من هشاشة ظروفه المحيطة، أصبح محركا أساسيا في الاقتصاد المحلي موفرا فرص عمل للعديد من الشباب والسكان ذوي المهارات الرقمية.
أثر الحرب على السكان: تدمير البنية التحتية ورأس المال البشري
أطحى العدوان الحالي على غزة بهذا الازدهار كله، ودمر البيئة الهشة بالكامل، تعطلت البنية التحتية وكذلك تعطلت الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والانترنت وحتى التنقل، حسب برنامج التنمية للأمم المتحدة فإن أكثر من ٣٧٠ ألف وحدة سكنية تعطلت و ٧٩٠٠٠ منها تدمر بالكامل، وذلك حتى شهر أبريل ٢٠٢٤ المنصرم.
تعطل الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والانترنت والنقل بهذا المستوى المتزايد يخلق عقبات كبيرة أمام رواد مجتمع التكنولوجيا، لأنه يعتمد في عمله على الاستقرار في الحصول على هذه الخدمات.
أما التداعيات الاقتصادية العامة للعدوان فهي كارثية على حد سواء، يقدر البنك الدولي هبوط الاقتصاد الفلسطيني بنسبة تتراوح بين ٦.٥ و ٩.٤% في ٢٠٢٤. أما نسبة البطالة بين الشباب في غزة ارتفعت أكثر من ٦٢.٦% التي كانت وصلتها قبل العدوان. بالطبع لهذه التداعيات تأثيرها المباشر على المجتمع التكنولوجي العامل، كما شهد رواد العمل الحر والشركات الناشئة انقطاع تدفق دخلهم بسبب انهيار البنية التحتية الحيوية والضرورية لظروف معيشة المدنيين.
تقدر خسارة الدخل اليومية بحوالي ١٢.٣ مليون شيكل إسرائيلي، هذه التقدير المروع يدفع المزيد من السكان يوميا إلى الفقر المدقع، أما الخبراء والعاملين في قطاع التكنولوجيا الذين كانوا يعتمدون على العمل عن بعد كمصدر دخل أساسي، هم الآن يعانون للبقاء على قيد الحياة وتوفير مصادر دخل أخرى في ظل انقطاع الأدوات والموارد اللازمة للحفاظ على عملهم مع العملاء العالميين.
أزمة الصحة النفسية والعقلية على القوى العاملة
عدا عن تدمير الحرب للبنية التحتية وتسببها في التدهور الاقتصادي، فإنها تسببت في تأثير حاد على الصحة النفسية للقوى العاملة وعامة السكان، تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك أكثر من ٤٨٥ ألف من سكان غزة يعانون من اضطرابات الصحة نفسية مثل القلق والاكتئاب، وبالنظر إلى العاملين في قطاع التكنولوجيا، تهدد مشكلات الصحة النفسية والعقلية عملهم لأنهم يعتمدون في عملهم اعتمادا أوليا على المهارات العقلية كالتركيز والإبداع ومهارات حل المشاكل.
يصف أمجد يحيى وهو لديه خبرة في العمل الحر مع عملاء عالميين قبل اندلاع الحرب، متحدثا عن معاناته: ‘لا يمكنني ممارسة عملي الحر من دون كهرباء أو انترنت ثابت، التوتر والإجهاد والتعرض للصدمات المتواصل يقضون على الصحة العقلية ويلغون القدرة على التركيز والإنتاج في العمل. ليس من المعقول الاستخفاف بهذا الجانب، لأن أزمة الصحة النفسية والعقلية تهدد القدرات الإبداعية والتقنية لمجتمع غزة التكنولوجي، إذا لم تعالج بالطريقة السليمة فإنها تقلل من فرصة النجاح في إعادة بناء القطاع التكنولوجي مستقبلا’.
أثر الحرب على غزة في تراجع الضفة الغربية
بينما تواجه غزة وطأة الدمار الأكبر، تعاني الضفة الغربية من تراجع خطير بسبب تسلل العدوان لمناطق محددة. أما السلطة الفلسطينية فقد تراجعت إيراداتها بصورة حادة نظرا لانخفاض في تحويل إيرادات التخليص الجمركي من إسرائيل وأيضا بسبب فرض إسرائيل قيود وموانع هائلة على الحركة والتنقل للفلسطينيين، تقدر منظمة العمل الدولية أن ١٦٠ ألف عامل في الضفة الغربية قد خسروا عملهم أو على وشك أن يخسروه بسبب منعهم من الوصول إلى مكان العمل، هذا بدوره يفاقم التداعيات على الاستقرار الاقتصادي في المنطقة.
بالرغم من سلامة القطاع التكنولوجي في الضفة الغربية مقارنة بغزة، فإنه يصارع أيضا في الضفة ليبقى على قيد العمل، فمنذ اندلاع الحرب في أكتوبر ٢٠٢٣ شهد الفلسطينيون خسارة أكثر من نصف مليون وظيفة، ١٤٤ ألف منها في الضفة الغربية، وتواجه شركات التكنولوجيا تحديات صعبة مثل انخفاض في مستوى المبيعات وخسارة العملاء وعرقلة في سلسلة التوريد، كما ذكر في دراسة استقصائية أجريت في حزيران/ يونيو ٢٠٢٤، إذ يلوح في الأفق خطر الركود الاقتصادي للقطاع التكنولوجي في الضفة الغربية إذا لم تُنفذ تدابير التعافي العاجلة.
تصرح عبير البيبي، وهي عاملة في المجال الحر التكنولوجي ومشجعة قوية لأهمية تقدير المواهب التكنولوجية المحلية، قائلة: ‘العديد من التقنيين الخبراء في المجال خسروا أعمالهم بسبب الأزمة الاقتصادية والمعيقات المفروضة على الحركة، وعلى الرغم من أن هناك بعض الشركات اعتمدت سياسة العمل عن بعد مسبقا وقبل سنوات، لكن غيرها من الشركات التي تعتمد على العمل في الموقع، حاولت في الشهور مواصلة عملها عن بعد في لكنها اضطرت إلى تسريح عدد من عامليها’. وتكمل عبير عن الكارثة الاقتصادية الذي تصيب حتى أصحاب الأعمال الناجحة، وتتركهم يبحثون عن مصدر دخل آخر في سوق عمل تندر فيه الفرص أصلا، وتقول: ‘يخبرني أحد أصدقائي من الضفة الغربية، الذي يدير شركته المتخصصة في بيع قطع السيارات، أنه الآن يبحث عن وظيفة أخرى، وبعد نجاح عمل شركته في السنوات الخمس الماضية، فقد اضطر لإغلاق الشركة بسبب تأثير منع الحركة على تراكم مبالغ غير مسددة’
الطريق للأمام وتدابير التعافي العاجلة
بالرغم من هذه المعوقات الصعبة، يجب علينا رسم الطريق لتعافي القطاع التكنولوجي في فلسطين وتقدمه نحو الأمام، تبدأ خطة التعافي بتحقيق وقف عاجل لإطلاق النار، لأنه باستمرار العنف على المدنيين لا يمكن وضع أسس تثمر بإعادة البناء الفعال، ولأن الدمار المتواصل سيهدم كل ما تبقى من البنية التحتية ويتبع دماره على المورد البشري، الذي هو ضروري لنجاح عملية التعافي. بعد تحقيق ذلك، يأتي على قاعدة الهرم عملية استعادة عمل البنية التحتية، في إصلاح شبكات الكهرباء والانترنت والحركة أهمية ماسّة لتمكين الأفراد والشركات لمواصلة عملهم في المجال التكنولوجي، وكما ذكر سابقا فإن استقرار توافر هذه الخدمات يعتبر أساسيا لإعادة الحياة والعمل في هذا المجال.
على نحو مماثل، فإن تقديم الخدمات المالية كالمعونات والمنح والقروض هو خطوة ضرورية لإعادة تجهيز المعدات اللازمة تشغيل الأعمال واسترجاع العقود والعملاء العالميين، للمنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية دور هام في توفير هذه الموارد المالية وفي تيسير عملية إعادة بناء القطاع التكنولوجي. عدا عن ذلك فإن توسيع دائرة الأعمال لتحقيق فرص الوصول إلى الأسواق هي أيضا حاجة أساسية لإعادة تشبيك التكنولوجيين الفلسطينيين وإثبات وجودهم في السوق العالمي وتشجيع شراكات جديدة تصب في نجاح عملية التعافي، يمكن تحقيق ذلك من خلال تنظيم لقاءات وفعاليات للتواصل، أو من خلال بناء منصات رقمية للتواصل مع عملاء ومستثمرين عالميين.
وبنفس القدر من الأهمية، فإن معالجة أزمة الصحة العقلية التي اجتاحت القوى العاملة في مجال التكنولوجيا في غزة حاجة لا بد منها، فالصدمات التي تخلفها الحروب مصحوبة بالتوتر الناتج عن عدم الاستقرار الاقتصادي، هي عائق يلحق الضرر بالصحة العقلية للمهنيين في المجال على وجه الخصوص. ومساعدتهم على تعافي قدرتهم على العمل ممكنة من خلال توفير خدمات إرشادية وبرامج تعنى بسلامة الصحة العقلية والحفاظ عليها في سياق مكان العمل، أثر هذا الدعم لا يعود فقط بالفائدة على مستوى الأشخاص فقط بل يساعدهم في استرجاع مستويات الإبداع والتركيز الضروريين لدفع عجلة الابتكار في مجال التكنولوجيا.
كذلك فإن تعزيز دعم الشركات الناشئة يضمن حصول الرياديين على الموارد الضرورية للتمكن من نجاح عملية إعادة البناء، توفير برامج متخصصة بتقديم خدمات إرشادية مصاحبة بموارد في مجال تطوير الأعمال، مهم أيضا لمساعدة العاملين في المجال وأصحاب الأعمال لاستعادة حيوية العمل والتماهي حسب الظروف الصعبة لتكملة العمل في الفترة القادمة. جانب آخر ذات أهمية لأصحاب الأعمال هو تطوير مهارات الاستثمار والإدارة المالية التي تمكنهم من التعافي والنجاح على المدى البعيد. بالتعلم والتطوير المستمر نضمن نجاح التكنولوجيين الفلسطينيين في السوق العالمي التنافسي، وكما يتطور هذا المجال فعلى التقنيين فيه أيضا مواكبة هذا التطور، والتغير في متطلبات السوق، لضمان أنهم قادرون على التكيف وأن عملهم يلبي معايير السوق العالمي.
نهاية، إن التعاون الدولي لا غنى عنه في طريق تحقيق التعافي العاجل، فالشراكات مع شركات التكنولوجيا العالمية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات التنموية لها أن تجلب التجارب المناسبة والموارد والاستثمارات للمنطقة، وتوفر فرص عمل للعاملين في مجال التكنولوجيا في فلسطين، وصولا إلى السوق العالمي ومنحهم الدعم الذي يحتاجونه من أجل إعادة بناء القطاع التكنولوجي في فلسطين والمساهمة الأوسع في تحقيق التعافي للاقتصاد الفلسطيني.
مسار القطاع التكنولوجي الفلسطيني للأمام
كان القطاع التكنولوجي في فلسطين في حالة تطور متزايد قبل بدء الحرب، التراجع أحدثه الدمار الذي شمل البنية التحتية والهبوط الاقتصادي وأزمة الصحة النفسية والعقلية على القوى العاملة، على الرغم من هذه العقبات وبعد الوصول إلى وقف لإطلاق النار فإنه علينا بذل جهود متضافرة لاستعادة بناء البنية التحتية وتوفير الدعم المالي والمنح ومعالجة الأزمة النفسية والعقلية، بتقوية التعاون يمكن تحقيق التعافي العاجل للقطاع.
يتوقف مستقبل القطاع التكنولوجي في فلسطين على العمل الفوري والمستدام لتحقيق التعافي طويل الأمد، لكن يكون هذا سهلا ولكنه ممكن تحقيقه، باتخاذ الخطوات التي ذكرناها تظل احتمالية إعادة إحيائه ممكنة، وضمان حصول الفلسطينيين في قطاع التكنولوجيا على الفرصة الكاملة لإعادة بناء أعمالهم، جزءًا مهما لتعافي الاقتصاد الفلسطيني من خراب الحرب.
أخبار ذات صلة
-
أخبار
أوقفوا الحرب، وأعيدوا الأمل: معًا، لنُعيد بناء غزة
-
أخبار
70 من شباب غزة يحصلون على فرص عمل جديدة في قطاع التكنولوجيا
إن للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة لأكثر من 17 عامًا ضررًا اجتماعيًا واقتصاديًا وإنسانيًا كبيرًا، يصيب به حياة أكثر من…
-
غير مصنف
إطلاق برنامج منصة فلسطين التقنية من Google بمشاركة 630 من الخريجين الجدد من مجال التكنولوجيا الرقمية
احتفلت SPARK وشركاؤها Google ,Udacity بإطلاق برنامج منصة فلسطين التقنية من Google بتسجيل 650 طلب في البرنامج الذي يستهدف التقنيين…
-
News
فازت الشركة الفلسطينية الناشئة ’’بلو فلتر‘‘ (BlueFilter) بجائزة 10000 دولار خلال نهائيات مؤتمر أفكار قطاع ريادة الأعمال IGNITE Pitch.
فازت شركة ’’بلو فلتر‘‘ الناشئة ومقرها في غزة بالجائزة الأولى في منافسة أفكار ريادة الأعمال للشركات الناشئة (Startups on the…
-
أخبار
مؤتمر الأطراف 26: كيف ندعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SMEs) لتصبح قادرة على التكيف مع تغير المناخ
-
غير مصنف
أفغانستان: مخاوف على الاستقرار ومستقبل الشباب
-
غير مصنف
Business across Borders: Former employees turn to entrepreneurship
-
غير مصنف
الاحتفال بالإنجازات: 10,000 منحة دراسية مقدمة للاجئين السوريين
سألت الملكة ماكسيما كوبار مشو، البالغة من العمر 19 ربيعًا والحاصلة على المنحة المقدمة من منظمة ’’سبارك‘‘ رقم 10,000، والتي…
-
غير مصنف
أين هم الآن؟ خمسة طلاب سابقين حاصلين على منح دراسية
As we prepare to award the 10,000th scholarship, five former students share what changed for them after graduation.
-
كيف بنينا شراكات مستدامة مع المؤسسات التعليمية
-
يعيد روّاد الأعمال في غزة الإعمار بعد 10 أيامٍ من الحرب
-
قوموا بتشغيل الكاميرات والميكروفونات فالتعليم الإلكتروني مستمرّ للمستبقل
-
تعزيز ريادة الأعمال في غزة والضفة الغربية