
تمتد بحيرة تنجانيقا على حدود اربعة دول في شرق أفريقيا، وهي تعتبر شريان الحياة لحوالي 10 ملايين شخص. في دولة بوروندي يقوم السكان بالصيد ليلًا في البحيرة في عملية صيد مبنية على التعاون والثقة الكاملين، يخرجون في زورقين خشبيين محليي الصنع، يحمل كل منهما 5 رجال ويتجهون إلى المياه العميقة، ثم يثبتون زوارقهم بتوازٍ بالارتكاز على جذوع طويلة من الأشجار المقطوعة، ويعلقون شباكم بين الزورقين.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى باللغة الهولندية في موقع Innovation Origins.
يسلط الصيادون كشافاتهم المحمولة على المياه ما بين الشبكتين، فالأضواء تجذب الأسماك، بعد ذلك ينام الصيادون ويغطوا أنفسهم بأكياس بلاستيكية حماية من البرد، ينامون حتى الخامسة أو السادسة صباحًا، فهم اعتادوا على النوم مع هزات الموج الخفيفة، ثم يستيقظون لجمع ما اصطادته شباكهم من البحيرة.
حاليًا، تعتبر بحيرة تنجانيقا معرضة للتهديد بسبب الصيد الجائر، وتغير المناخ، وفقدان التنوع البيئي في السنوات الأخيرة، تظهر معالم ذلك في الفترة ما بين شهر مايو إلى أغسطس من كل عام، إذ أن حمولة الصيادين تكاد أن تكون حفنة صغيرة.

عند العودة إلى الشاطئ، تنتظر الصيادين بائعات السمك، وهم بالعادة نساء أرامل وعاملات متقاعدات وشابات وأمهات عازبات، يتجمعن على الشواطئ لشراء الأسماك من الصيادين حتى يبعنها في الأسواق أو ينقلنها إلى التجمعات السكانية على طول الساحل باتجاه المدينة الكبرى بوجومبورا، توفر هذه التجارة لسكان بوروندي الذين يعيش 87% منهم تحت خط الفقر حسب البنك الدولي، بمصدر البروتين الحيوي.
في هذه التجارة عنصر الوقت مهم للغاية، إذ أن السمك قد يفسد في غضون ساعات، يُجفف بعضًا منه في صواني التجفيف التي بُنيت حديثًا بالقرب من مواقع الهبوط على طول شواطئ البحيرة في بوروندي، مع ذلك فإن التجفيف يطيل عمر استخدام السمك إلى 90 يومًا فقط.
يوضح غابرييل بوتوي، رئيس الاتحاد الوطني للأسماك في بوروندي أنه يعود سبب الصيد الجائر للأسماك في تنجانيقا إلى الاستخدام غير القانوني للشباك أحادية الخيوط، ويقول:” هذه الشباك ضارة بسبب صغر حجم فتحاتها، فلا تسمح للأسماك الصغيرة جدا بالمرور مسببة في ذلك إضعاف نسب تكاثرها وقريبًا انقراضها”.
وبدوره يقول فنسنت بيهيمفيوموديري، مسؤول مشاريع سبارك في بوروندي، أن هناك حوالي 20 ألف صياد يعمل في بوروندي والعدد في تزايد، ويوضح ” تعاني البحيرة من جهة جمهورية الكونغو الديمقراطية من قلة في بنى الصيد التحتية مثل أنظمة التجفيف والتجميد، لذلك يتوارد الصيادون إلى منطقة بوروندي لصيد الأسماك وبيعها في سوق بوجومبورا الحيوي، وهذا جزئيًا يسبب الصيد الجائر في هذه المنطقة”.

وفي محاولة للحفاظ على الثروة السمكية، اقترحت مبادرة مشروع LATAFIMA (مشروع إدارة صيد الأسماك في بحيرة تنجانيقا) فرض إغلاق البحيرة للصيد مدة 3 أشهر من كل عام، لإعطاء الثروة السمكية الفرصة بالتجديد مما يفيد المجتمعات التي تعتمد على الصيد كمصدر للرزق على المدى البعيد، ولكن في الوقت ذاته أثارت هذه المبادرة انتقادًا كبيرًا لفشلها في اقتراح بدائل تجيد للصيادين وبائعي الأسماك وعائلاتهم مصدرًا آخرًا للدخل.
نتيجة لذلك، كان إغلاق البحيرة المقرر في 15 مايو/أيار من هذا العام غير مجدِ، إذ ما زالت مياه البحيرة من جهة بوروندي والكونغو شمالًا حتى تنزانيا وزامبيا جنوبًا مليئة بزوارق الصيادين، فليس لديهم خيار آخر.
في هذا الصدد، يصرح فنسنست، ولديه معرفة في هذا الموضوع: “أنه بدلًا من إغلاق البحيرة لثلاث شهور، بإمكاننا إيجاد حلول أخرى” مثلًا قامت سبارك ببناء مركز Samaki الذي يحوي مرافق لتنظيف وتجفيف وتفريز الأسماك وكذلك وحدة تدخين الأسماك في منطقة رومونج في بوروندي، بتمويل من وزارة الخارجية الهولندية. لم يكن شائعًا بناء مرافق لتجميد الأسماك على وجه الخصوص وذلك لقلة الوصول للكهرباء، فقط 3% من السكان البالغ عددهم 11.7 مليون يحصلون على مصدر للكهرباء.
في مرفق التجميد برادًا يسع 800 كغم من الأسماك، وبجواره غرفة مجمدة تسع 2000 كغم، تُحفظ الأسماك فيها مدة أطول، وفي وسط المرفق يُنتج كميات تصل ل 264 كغم من الثلج يوميًا، هناك أيضًا 22 وحدة شمسية لإنتاج الطاقة وشحن ما يصل ل 80 كشافًا ضوئيًا محمولًا، هكذا يخفف الصيادون اعتمادهم على شبكة الكهرباء المتقطعة.
حاليًا تستخدم تعاونية COPEDECOBU لصيادي الأسماك في بوروندي هذه المرافق، يقول أحد أعضاء التعاونية: “لم أستطع تشغيل هذه الثلاجات في السابق ولكني الآن لدي القدرة على ذلك”
يساعد استخدام هذه الثلاجات على استقرار تقلب العرض في سوق الأسماك، مما يخفض من أسعارها المرتفعة بسبب زيادة في العرض في الفترات ما بين فبراير ومارس وكذلك أغسطس وأكتوبر. -عبارة ليست ذات صلة-

بعد التدريب اللازم يتسلم الاتحاد الوطني للأسماك في بوروندي مسؤولية إدارة وصيانة المركز، يقول غابرييل بوتوي رئيس الاتحاد، أن دفع المزيد من الاستثمار ضروري لفرض الحظر على استخدام الشبكات غير القانونية بدلًا من فرض الإغلاق الشامل على الصيد في البحيرة، يقول أيضًا أن هناك تخطيط لإغلاق أجزاء من البحيرة حيث هناك تفريخ للأسماك وتكاثر للأنواع الصغيرة منها.
وطرح الاتحاد أيضًا نظامًا لإغلاق البحيرة لأسبوعًا واحدًا من كل شهر، “على الجميع أن يعود إلى بيوتهم وعائلاتهم في المناطق الريفية في نفس الوقت كل شهر لمدة أسبوع واحد، هذا مهم لضمان رعاية الصيادين لعوائلهم وأبنائهم”.
بدوره صرح مدير سبارك في بوروندي، جاسبر دي ويت، أن ” تنفيذ برامجنا بالتعاون مع الشركاء والجهات المعنية مهمًا لطرح حلول مستدامة حتى بعد انتهاء هذه البرامج، في هذا السياق تقوم سبارك بدور الوساطة للجمع بين الممولين الخارجيين، والحكومة المركزية، والحكومة الداخلية، والاتحاد الوطني للأسماك في بوروندي، والرياديون وأصحاب الأعمال في كل مستويات السلسة القيمية للأسماك وكذلك الوصول إلى الخبراء التقنيين في المجال”
ونهاية، إن الحلول كثيرة ومتنوعة على شواطئ بحيرة تنجانيقا، ولكن مشاركة المؤسسات المحلية مهمًا لإحداث واستمرارية التغيير البيئي اللازم، لتعم الفائدة على الجميع خاصة الذين يعيشون على خط الفقر.
أخبار ذات صلة
-
أخبار
مؤتمر الأطراف 26: كيف ندعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SMEs) لتصبح قادرة على التكيف مع تغير المناخ
-
أخبار
مؤتمر IGNITE8 : إعادة تصوّر الوظائف
يعتمد مستقبل العمل على الوظائف الصديقة للبيئة والوظائف الرقمية والوظائف المرنة. ويتغير سوق العمل في جميع أنحاء العالم بشكل مُطَرد….
-
غير مصنف
أفغانستان: مخاوف على الاستقرار ومستقبل الشباب
-
غير مصنف
Business across Borders: Former employees turn to entrepreneurship
Many former SPARK employees have used their knowledge and expertise to start their own companies. Here they share their stories…
-
غير مصنف
المسارات الريفية: الفرِص في افريقيا جنوب الصحراء خلال الأزمة العالمية
-
غير مصنف
في محادثة مع: فالنتينو أشاك دينغ
إنه ليس مٌحرجاً من تجاربه كلاجئ، وغير متأثر بالسمعة التي خلقتها الرواية، ولا يتوانى في تفاؤله من أجل مستقبلٍ أفضل…