طبيبك إلى منزلك: رعاية صحية منزلية رائدة في ليبيا

تضرر قطاع الصحة في ليبيا بشكل كبير خلال سنواتٍ من الصراع وعدم الاستقرار، مما جعل المستشفيات والمراكز الطبية تكافح للعمل في وجه العديد من التحديات مثل انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، ونقص الإمدادات الطبية الأساسية، ونقص حاد في الموظفين، كما قد أدى ظهور جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم هذه المشكلات، مما دفع قطاع الصحة في البلاد إلى حافة الانهيار. وسط هذه الظروف الصعبة، يواجه الأطباء تحديات هائلة يوميًا مع تدهور نظام الرعاية الصحية في ليبيا إلى حالة من الفوضى.

في خضم هذه التحديات، ينبثق الأمل من رواد الأعمال الشباب مثل الطبيب محمد الوراد الذي أسس في عام 2019 شركة طبيبك إلى منزلك، وهي شركة رعاية منزلية تقدم الخدمات الطبية الأساسية مباشرة للمرضى في منازلهم. سرعان ما أصبحت هذه الخدمة شريان حياة للعديد من أفراد المجتمع في بنغازي، خاصة وهم يتنقلون بين الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت بسبب الوباء. تعطي مبادرة محمد الأولوية للوصول الآمن والمريح إلى الرعاية الصحية، وتوفير الدعم الحاسم في وقت تتعرض فيه أنظمة الرعاية الصحية التقليدية لمشاكل صعبة.

كان دافع محمد لتأسيس شركته ناجماً عن تجربة عائلية مؤسفة فقد كان يعتني بجده قبل وفاته، ويواجه صعوبة في نقله إلى المستشفى لإجراء فحوصات طبية بسبب ضعف حركته نتيجة لتقدمه في السن. يسرد محمد تلك الظروف قائلاً: “كنت أعيش مع جدي – رحمة الله عليه – أثناء فترة دراستي في شقةٍ بالطابق السابع. كنا نواجه صعوبةً كبيرةً في إنزاله من الشقة، ثم نقله بالسيارة إلى المستشفى نظراً لكبر سنه، وثقل وزنه، وصعوبة حركته لكونه طريح الفراش، فجميع هذه العقبات وغيرها كانت تؤثر في حصوله على الخدمة الطبية في الوقت المناسب.” ألهمت هذه التجربة محمد لإنشاء خدمة تقدم رعاية صحية لأولئك الذين لا يستصعب عليهم الخروج من بيوتهم للمستشفى، ثم جاءت جائحة كوفيد-19 في 2020 لتعزز قناعة محمد بالحاجة إلى خدمة صحية تتكيف مع احتياجات المجتمع حيث كان العديد من الناس عند اندلاع الجائحة غير قادرين أو خائفين من زيارة المستشفيات بسبب الحجر الصحي، والخوف من العدوى؛ لذا أنشأ محمد شركة طبيبك إلى منزلك لتضمن حصول المرضى على الرعاية التي يحتاجونها.

لم تكن رحلة تأسيس طبيبك إلى منزلك خالية من الصعوبات، فالوضع الراهن للاقتصاد الليبي – الذي يعتمد بشكل كبير على النفط والغاز- يفرض تحديات كبيرة على رواد الأعمال الشباب مثل محمد، كما تؤدي النزاعات المسلحة والعقبات البيروقراطية إلى خنق نمو القطاع الخاص وتقييد الوصول إلى الموارد الأساسية. في هذه البيئة الصعبة، يواجه قطاع الرعاية الصحية ظروفًا مزرية، حيث يعاني أكثر من مليون ليبي من احتياجات صحية مُلحّة، ونصف مرافق الرعاية الصحية التي كانت تعمل حتى عام 2019 قد توقفت بسبب المشكلات الأمنية المستمرة ونقص التمويل الحكومي. علاوة على ذلك، فإن مفهوم الرعاية المنزلية غير شائع في ليبيا، مما شكل تحديًا لمحمد لإقناع المُشككين بجدوى فكرته، فقد قال: “كان إقناع الناس بإمكانية وصول الطبيب إلى منازلهم أمرًا صعبًا حتى أثبتنا لهم أنه يمكن أن يحدث”.

في خضم هذه التحديات لتأسيس شركته، وجد محمد دعمًا أساسيًا من خلال برنامج Libya Startup، الذي يموله الاتحاد الأوروبي وتنفذه منظمتا سبارك وسوبر نوفا.  يهدف البرنامج إلى تعزيز ريادة الأعمال والابتكار في السوق الليبي عبر توفير بيئة داعمة للشباب ذوي الشركات الناشئة عبر تأسيس حاضنات أعمال، ومنها حاضنة أعمال أساريا التي وفرت لشركة طبيبك إلى منزلك أساسًا متينًا للنمو والتطوير. من بين أكثر من 380 متقدمًا، كانت طبيبك إلى منزلك واحدة من 26 شركة فقط تم اختيارها لبرنامج حضانة مكثف لمدة ستة أشهر قُدِم فيه تدريب وتوجيه لبناء مهارات الشباب التجارية، وذلك وفقاً لموارد مُصممة خصيصًا للتحديات الفريدة للسوق الليبية. في معرض حديثه عن تجربته في البرنامج، يقول محمد: ” تلقينا عندما شاركنا في برنامج Libya Startup دعمًا معرفيًا في البداية من خلال ورش العمل والتدريبات على ريادة الأعمال، حيث تدربنا على الأساسيات المالية، والقانونية، واللوجستية لريادة الأعمال والتجارة.”

بعد إكمال البرنامج، حققت شركة طبيبك إلى منزلك نجاحًا ملحوظًا بالفوز بالمركز الأول في مسابقة التي نظمتها أساريا للمشاركين، حيث نالت الشركة جائزة قدرها 20000 يورو. يرى محمد بأن هذا التمويل سيعزز خدمات الشركة ويحسن قدرتها التشغيلية إذ قال: “سنوفر من خلال هذا الدعم المادي أجهزة ومعدات معينة بحيث تتطور جودة خدماتنا.”

بات الأثر الإيجابي للشركة ملموسًا في بنغازي، حيث خلقت ما بين 50 إلى 70 فرصة عمل للأطباء في مختلف التخصصات، والممرضين والممرضات، وأخصائيّ العلاج الطبيعي، ومعالجي الحجامة، وسائقي سيارات الإسعاف. يؤكد محمد أن خدمات الشركة ستحقق نمواً داخل المجتمع: “كلما توسعنا، كلما خلقنا المزيد من الوظائف”.

سيستمر محمد مكرسًا لتوسيع نطاق عمل شركة طبيبك إلى منزلك مع البقاء مخلصًا لاحتياجات المجتمع المحلي في بنغاري، ويؤكد: “كان دافعي لمواصلة العمل في هذا المشروع الناشئ هو التأثير الإيجابي لخدماتنا. لقد قدمنا حلاً لمشاكلهم وخلقنا فرص عمل”. من خلال نهجها المستهدف والتزامنا برعاية المجتمع، يطمح فريق طبيبك إلى منزلك نحو إنشاء نموذج مشابه لتلك الموجودة في خارج ليبيا، حيث تكون الزيارات المنزلية من قبل الأطباء العامين أمرًا سائداً، ويؤكد مشرف التمريض إيهاب الشعافي على هذا الهدف قائلاً: “نريد أن يكون لدينا أطباء للأسر يقومون بالزيارات المنزلية في كل حي مع وجود طاقم طبي من الذكور والإناث”.