الزراعة الأحيومائية في ليبيا: قصة هايدروهارفست

يُمهّد عبدالله الفاندي، مؤسس شركة هايدروهارفست، الطريق للزراعة المستدامة في ليبيا من خلال الزراعة الأحيومائية، وهي طريقة زراعية تجمع بين زراعة المحاصيل في الماء وتربية الأسماك. يسعى عبدالله إلى المساهمة في حل تحديات الأمن الغذائي في ليبيا عبر اتخاذه نهجًا زراعيًا يتمحوَّر حول ترشيد استهلاك المياه مقارنةً بالزراعة التقليدية، والاعتماد حصريًا على الإنتاج العضوي الخالي من المواد الكيميائية. بفضل الدعم الذي حظيَّ به من حاضنة أعمال حديقة الابتكار، تمكّن عبد الله من تحويل مشروعه من مجرد فكرة إلى واقع، متغلبًا على تحديات تقنية ولوجستية كبيرة خلال مسيرته. تأسست حاضنة أعمال حديقة الابتكار ضمن برنامج الشركات الناشئة المُموَّل من الإتحاد الأوروبي في ليبيا، والذي تُنفّذه منظمة سبارك وسوبر نوفا.
الزراعة ليست سهلة في بلدٍ تُغطي الصحراء أكثر من 95% من أراضيه، وتتناقص فيه موارد المياه، حيث صُنفت ليبيا سادس أكثر دول العالم معاناةً من شحّ االمياه في عام 2020 وفقًا للأمم المتحدة، ومن المتوقع أن يتفاقم هذا الوضع بحلول عام 2040. نتيجةً لذلك، لا يُشكّل القطاع الزراعي سوى حصةٍ ضئيلة من اقتصاد ليبيا، الذي لطالما اعتمد .اعتمادًا كبيرًا على عائدات النفط ووظائف القطاع العام
بالنسبة لعبدالله، الذي كان يعمل في السوق الزراعية، كانت هذه العقبات تُشكّل تحديًا شخصيًا حيث أوضح قائلًا: “لقد واجهتُ هذه العقبات كما يواجهها جميع المزارعين في ليبيا”. في عام 2023، غيّرت زيارةٌ لمصر كل شيء فقد اكتشف هناك نظام الزراعة الأحيومائية الذي يدمج بين تقنية الزراعة المائية وتقنية الاستزراع السمكي. كان هذا النموذج المُبتكَر كفيلًا بأن يُلهّم في عبدالله الطموح ليعود لوطنه سعيًا لأن يعكس هذه التجربة في ليبيا.
لم يكن إطلاق مشروع هايدروهارفست أمرًا سهلًا فلا تزال الزراعة المائية غير معروفة على نطاقٍ واسعٍ في ليبيا، ولم يكن هناك خبراء محليون يُمكن استشارتهم في هذا المجال الزراعيّ. قال عبدالله، مُسترجعًا بداياته: “كان العبء كله علينا”. بموارد محدودة، بدأ عبدالله رحلته لدراسة هذا المجال عبر البحث عبر الإنترنت وبناء علاقات خارج ليبيا، كما أجرى دراسة جدوى واستورد جميع المعدات اللازمة من الخارج. قال: “لم يكن الأمر سهلاً. ارتكبنا أخطاءً وتعلمنا منها كل يوم”. في النهاية، أطلقت هايدروهارفست عملياتها وبدأت بإنتاج الخضراوات والأسماك باستخدام أقل قدر من المياه وبدون أي مواد كيميائية.
تعمل مزرعة هايدروهارفست في حلقةٍ متكاملةٍ فبمجرد إضافة 400,000 لتر من الماء إلى الخزانات، يُزرع نبات الأزولا بمساعدة النيتروجين الذي تُنتجه مزارع الأسماك التي بدورها تتغذى على نبات الأزولا. خلال عامين من التشغيل، أنتجت هيدروهارفست أكثر من 3,000 كيلوغرام من الخضراوات، بما في ذلك الخس والنعناع والريحان والجرجير والكرنب، إلى جانب ما بين 1,000 و1,500 كيلوغرام من الأسماك.
لكن بالنسبة لعبد الله، كانت هذه مجرد البداية. في عام 2024، تم اختيار هيدروهارفست للانضمام إلى برنامج الشركات الناشئة في ليبيا من خلال حديقة الابتكار في طرابلس، وهي واحدة من أربع حاضنات أعمال أُنشئت في جميع أنحاء البلاد. منح البرنامج عبد الله التدريب التجاري والرؤية الاستراتيجية التي يحتاجها لإضفاء الطابع الرسمي على عملياته والتفكير على المدى الطويل. قال: “لم نكن نعلم أن البرنامج سيساعدنا بهذا القدر. لقد ساعدونا في وضع استراتيجيات طويلة المدى والتواصل مع المستثمرين وخبراء الزراعة في ليبيا”.
دخلت شركة هيدروهارفست لاحقًا مرحلة مُسرّعة الأعمال، وحصلت على تمويل تأسيسي بقيمة 20,000 يورو. مكّن هذا الاستثمار عبد الله من بناء صوبتيّن إضافيتيّن، مع التركيز هذه المرة على تربية الأحياء المائية. قال عبد الله، مشيرًا إلى النبات المائي الغني بالنيتروجين والمستخدم كعلف للأسماك: “بدأنا بزراعة المزيد من نبات الأزولا إلى جانب الخضراوات. وهذا يتوافق تمامًا مع أهدافنا في الاستدامة. تُنتج مزارع الأسماك النيتروجين، الذي يُغذي الأزولا، ثم نُعيده كغذاء إلى الأسماك”.
مع وضع الاستدامة في صميم أولوياتها، تهدف هيدروهارفست إلى توسيع نطاق أعمالها في السنوات المُقبلة كما ويعتزم الفريق – المكون حاليًا من عبد الله وعماله – إنتاج المزيد من المحاصيل المتنوعة على طول الساحل الشمالي لليبيا لتشمل الفراولة والخيار والفلفل الحلو. أهداف المستقبل واضحة تمامًا أمام عبدالله الذي قال: “نريد أن نصبح روادًا في مجال الزراعة المائية في ليبيا”.
من خلال ربط المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بالأدوات والدعم اللازمين للنمو، يُسهم برنامج الشركات الناشئة في ليبيا بدفع عجلة التنمية الاقتصادية الشاملة وتوفير فرص العمل، بما يتماشى مع الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة العالمية: العمل اللائق والنمو الاقتصادي لذا تعمل منظمة سبارك من أجل دعم الشركات الصغيرة مثل هيدروهارفست لتعزيز ريادة الأعمال والمرونة الاقتصادية في البلدان المتأثرة بالنزاعات.
استنادًا على أساس متين ورؤية واضحة، يستعد عبد الله وفريقه للعب دور رائد في تطويرل قطاع الزراعة في ليبيا، مُثبتين أنه بالدعم المناسب، يُمكن للابتكار أن يزدهر رغم صعوبة التحديات.