ملكة التدوير: مسيرة امرأة عراقية نحو بلد صديق للبيئة

-
موقعكالعراق
بالاطلاع على مستوى انعدام الأمن الغذائي الصادم في العراق، قامت المهندسة العراقية مروة رائد بتأسيس مشروع الذهب الأخضر لإعادة تدوير النفايات العضوية وتحويلها إلى أسمدة ومحسنات زراعية مختلفة بهدف تعزيز الإنتاج الغذائي في بلدها.
بعد قضائها سنوات لدراسة هندسة السيارات في ماليزيا، رجعت مروة إلى العراق وصدمت بمشهد مؤلم: هناك من يتناول بقايا الطعام التي ترميها المطاعم في الحاويات، هذا الواقع المروع يسببه عقود من الاضطراب السياسي وما يلحقه من صراعات وتطرف، فضلًا عن ارتفاع معدل البطالة التي أدت إلى سقوط 25% من السكان (11 مليون شخص) في الفقر المدقع.
كونها تمتلك شخصية متفائلة، قررت مروة تحويل شعور الازدراء بما شهدته إلى فعل، وذهبت بكامل ثقتها إلى أحد أفضل المطاعم في العراق لتطلب من صاحبه أن يسلمها فائض الطعام الذي ينتجه، لتقوم هي بتعبئته وتوزيعه على الناس بطريقة منظمة وكريمة، لكن طلبها قوبل بالرفض.
لم يردعها ذلك، بل أصبحت على قناعة تامة أنه من الضروري الاستفادة من الكميات الفائضة من المواد الغذائية والعضوية. وهكذا جاءت فكرة مشروعها: الذهب الأخضر، الذي يبنى على إعادة تدوير الفائض العضوي لإنتاج الأسمدة ومخصبات التربة وغيرها من المنتجات الصديقة للبيئة، لمعاونة المزارعين ودعم القطاع الزراعي وبالتالي تعزيز الأمن الغذائي في العراق.
في البداية، واجهت مروة شكوك الكثيرين من حولها بأنها لا يمكنها أن تعمل في إعادة تدوير النفايات، كونها مهندسة وكونها امرأة أيضًا.
وواجهت العديد من التحديات، التي زادها تعقيدًا الوضع السياسي المتقلب في العراق، تقول مروة: “بلدي يعاني من عدم الاستقرار المالي والسياسي والبيئي”، فقد استولت بعض الميليشيات على واحدة من مزرعتي مروة في بغداد، ناهيك عن التحدي المتمثل بتقلبات الحرارة المناخية والفيضانات وغيرها من آثار أزمة المناخ التي تلحق الضرر بالمحاصيل الزراعية في جميع أنحاء العراق.
ومع وجود هذه الصعوبات الخارجة عن إرادتها، فإن مروة صممت على تحويل شغفها إلى مشروع تجاري، مما دفعها للبحث عن فرص لزيادة معرفتها حول تأسيس وريادة الأعمال، وبالتالي تقدمت للتسجيل ببرنامج لتطوير الشركات الناشئة الذي تقدمه سبارك وStartup Without Borders بتمويل من Google.org، كان هذا البرنامج الأول من نوعه في المنطقة لدعم اللاجئين وريادي الأعمال الذين يبنون مشاريعهم بالرغم من الصعوبات المختلفة.
تمكنت مروة من خلال مشاركتها بالبرنامج والحصول على تدريب مكثف باكتساب مهارات مهمة مثل إنشاء موقع الويب، وبناء العلامة التجارية والمهارات المالية، فضلًا عن ذلك ترشحت مروة و10 شركات ناشئة أخرى تم اختيارهم ضمن 250 متقدم عراقي في مسابقة Startups on the Move التي عقدت في هولندا في 2022، صرحت عن ذلك قائلة: “غير أنني تعلمت مهارات جديدة في البرنامج وتواصلت مع شبكة مهمة في عالم ريادة الأعمال، فقد عدت من أمستردام بشغف متجدد لعملي في المشروع”.

وفي نفس العام تطور مشروع مروة بشكل ملحوظ، إذ ارتفع معدل المبيعات الشهرية في أنحاء العراق من ما قيمته 50 دولار مسبقًا إلى 500 دولار، ففي بداية مسيرة المشروع كان يقدم للسوق منتجًا واحدًا، أما الآن توسعت منتجاته لتشمل تنوع في المنتجات الصديقة للبيئة منها كرات البذور (GG balls) المصنوعة من البذور الزراعية المغطاة بالتراب.
تعمل الآن مروة جنبًا إلى جنب مع أعضاء فريقها الجدد المتكون من رجلين وثلاث نساء، إذ يقدموا ورشات حول الحد من النفايات والممارسات البيئية الصحية باستضافة أكثر من 500 مشارك في 2022. وتوضح مروة: “لم تكن هذه الورش جزءًا من خطتنا الأولية ولكن بعد الانتباه لحاجة المجتمع لورشات في مجال الاهتمام البيئي، قمنا بتطويرها ردًا على هذه الحاجة”. ولهذا السبب تهتم مروة بتقديم ورشات تدريبية، وتقدم بعضًا منها مجانًا للأشخاص غير القادرين على دفع تكاليفها كما هو الحال لدور الأيتام، وأيضًا المنظمات غير الحكومية.
لا تكلً مروة عن العمل على فكرة مشروعها ومستقبله، فهي تقول: “ما أريد تحقيقه هو أن يكون مشروع الذهب الأخضر مطبوعًا بقوة في أذهان الناس” بشغفها اللامتناهي من المؤكد أنها ستتمكن من تحقيق ذلك يومًا ما.