غلق
غلق
غلق
أكتوبر 17, 2019

بين الحروب، مزارعو الريف في اليمن وجنوب السودان يتحوّلون إلى روّاد أعمال

احتفالاً بمرور 25 عاماً على تأسيس “سبارك”

غالباً ما يتحمّل مزارعو الريف والأشخاص الأمّيون وطأة الفقر في المناطق الهشة أو المتأثرة بالصراعات، مقارنةً بباقي السكّان. في اليمن وجنوب السودان، لطالما واجه الناس لفترة طويلة انعدام الأمن الغذائي ونقص فرص العمل، ليس بسبب نقص الأراضي الصالحة لزراعة المحاصيل، ولكن بسبب استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي من حولهم.

عام 2012، بدأت “سبارك” زراعة البذور الأولى لبرامجنا لدعم المشروعات الريادية الزراعية في اليمن وجنوب السودان، وذلك بهدف خلق فرص عمل زراعية لتحسين سُبل العيش لدى الشباب في الأرياف.

تكريم مزارعين في اليمن من ذوي الإلمام المتدني بالقراءة والكتابة، بعد إتمامهم تدريباً حول المهارات المالية، 2015

بناء قرية IGNITE في اليمن

كانت قرية سراح إحدى أفقر القرى وأكثرها ريفية في اليمن، إذ لم يكن لدى معظم القرويين دخل وكانوا على حافة المجاعة. في غضون أربعة أشهر فقط، تم تحويل الأرض الجافة إلى واحة خضراء تنتج الفواكه والخضار والبيض والدجاج.

كجزء من برنامج “سبارك” لإنشاء المشروعات الزراعية الريادية، قدّم اتحاد التعاون الزراعي (ACU) حلولاً محددة لسكان القرية، وذلك استناداً إلى بحث أجري على الأرض التي يعيشون عليها. قدّم الاتحاد تدريباً فنياً على المشروعات الريادية لمن سيصبحون فلاحين ليكون لديهم الأدوات اللازمة للتصرّف بأنفسهم.

تم بناء عشر أنفاق لدفيئات زراعية، وتمت إعادة البئر المحلي وتركيب مضخة مياه تعمل على الطاقة الشمسية لتسهيل جريان المياه النظيفة. ونتيجة لتلك الإجراءات، أصبح 33 رجلاً و27 امرأة يعرّفون عن أنفسهم بالروّاد الزراعيين وأصبحوا قادرين على بيع منتجاتهم في الأسواق المحلية لتحقيق الربح.

ما بدأ كمشروع صغير أصبح بسرعة نموذجاً يُحتذى به للعمل في المستقبل، وقد تم بناء المزيد من قرى IGNITE في مختلف أنحاء اليمن. وبعد ملاحظة هذا النجاح، انضمت وزارة الصناعة والتجارة إلى الجهود المبذولة لكسر الحواجز التي تواجه روّاد الأعمال اليمنيين عند تسجيل مشروعاتهم الريادية الصغيرة. في السابق، عانى روّاد الأعمال من حواجز البيروقراطية، لهذا، تم إطلاق نظام جديد “نظام النافذة الواحدة” لضمان ألا يحتاج روّاد الأعمال سوى لخطوة بسيطة ليصبحوا أصحاب مشروعات ريادية مُعترف بهم رسمياً.

نمت البذور الأولى في تربة القرية لتصبح سلسلة من الخطوات التي حملت أفراد القرية إلى المساهمة في الأمن الغذائي لمجتمعاتهم المحلية. كان أهل الريف الأمّيون اليمنيون يعيدون بناء مجتمعاتهم دون الحاجة إلى المساعدة الدولية.

زيت عباد الشمس يحد من زواج الأطفال في جنوب السودان

تستذكر لورين سيرفن، رائدة زراعية وأول مستشارة لـ”سبارك” لتطوير الأعمال في المنطقة قائلة: “في جنوب السودان، لم تكن ريادة الأعمال وظيفة حقيقية، فجميع الشباب أرادوا العمل في الحكومة أو في إحدى المنظمات الدولية غير الحكومية”.

وبهدف تعزيز مفهوم ريادة الأعمال بين شباب الريف، أطلقت “سبارك” سلسلة من المسابقات لأفضل خطط المشروعات الريادية والتي انتقل خلالها الشباب من خلق الأفكار إلى الحصول على التمويل.

عام 2013، فرّ إيمانويل بوجا بوديانغ من بلدته “كاجو كيجي” في ريف جنوب السودان عندما اندلعت هناك حرب أهلية. ادّى القتال القبَلي هناك إلى إحدى أكبر الكوارث الإنسانية في السنوات الأخيرة، حيث قُتِل حوالي 400 ألف شخص ونزح 12 مليون آخرين.

وخلال لجوئه في أوغندا، لاحظ إيمانويل أن معظم مزارع عباد الشمس الأوغندية تستخرج الزيت من ذلك النبات، فاستلهم من ذلك فكرة وعاد بها إلى بلدته. وبعد انضمامه إلى “سبارك”، تلقى تدريباً وتوجيهاً أهّله للفوز بمسابقة أفضل خطط الأعمال، فاستغل مبلغ الجائزة لشراء بذور عباد الشمس والمعدات اللازمة لمعالجة الزيت من نباتها. أصبح مشروعه الريادي الشركة الوحيدة العاملة في استخراج الزيوت النباتية في جنوب السودان.

استمرّ إيمانويل في جهوده وتعاون مع 500 مزارع وبائع تجزئة، ما وفّر وظائف للنساء والمقاتلين السابقين الذين وجدوا بعضاً من الحياة الطبيعية في منتصف الأزمة. ويقول إيمانويل في حديثه عام 2015: “أدّى إنتاج زيت عباد الشمس في “كاجو كيجي” إلى تحسين البيئة الاقتصادية للناس، وقاد ذلك إلى زيادة عدد الفتيات الملتحقات بالمدارس وزيادة فرص العمل، وهاذان عاملان هامّان لتقليل حالات زواج الأطفال”.

المرونة والقدرة على التكيّف

يتطلّب إطلاق المشروعات الريادية في أكثر البيئات تقلّباً التحلّي بمرونة كبيرة. احتاجت برامج “سبارك”، الداعمة لنمو القطاعات الزراعية في اليمن وجنوب السودان، إلى التكيّف بشكل مستمر، وفي بعض الأحيان، أجبر الصراع الكبير المكاتب المحلية على الإغلاق المؤقت، وفي النهاية، إنهاء عملياتها في اليمن عام 2018.

ورغم اتفاق السلام الذي تم في جنوب السودان عام 2018 والذي جلب موجة مستمرة من الهدوء في المنطقة، ناضل إيمانويل للحفاظ على استمرار عمل مشروع عباد الشمس بسبب نقص التمويل. لكن روّاد الأعمال هم أشخاص مثابرون ويعملون بجد لإعادة بناء مستقبلهم. الآن، ومع المهارات التي اكتسبها من التعلّم وممارسة ريادة الأعمال، يعمل إيمانويل كمستشار في تطوير المشروعات الريادية لصالح شريك “سبارك” المحلي “بريميوم أرغو كونسلت”.

قطف الروّاد الزراعيون، الذين شاركوا في برامج “سبارك”، ثمار عملهم، وتم إطلاق دورة من التدريس والتعلّم. ستنتقل المهارات التي تعلمها هؤلاء عبر الأجيال، ما سيخلق اكتفاءً ذاتياً يصعب تحقيقه في أوقات الحروب.

أخبار ذات صلة